الثلاثاء , يونيو 10 2025

دور البعثات الأممية في نزع سلاح المقاتلين العائدين من مناطق الصراع: (سيراليون نموذجًا)

منقول عن “قرائات افريقية”، للكاتبة عفاف ممدوح، باحثة دكتوراه في العلوم السياسية – كلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة

حسب الكاتبة والباحثة دكتوراه في العلوم السياسية، عفاف ممدوح، برزت برامج “نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإعادة التأهيل” للمقاتلين السابقين كركيزة رئيسة لتوطيد السلام بعد الصراع بالنسبة لعددٍ من عمليات السلام في القارة الإفريقية؛ حيث تعد برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج من المعايير المهمة التي يتم على أساسها تقييم احتمالية تعافي بلدٍ ما من الأزمة أو الانتكاس إلى العنف مرة أخرى.

كما أضافت أن برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج تُعدّ برامج يتم من خلالها دعم أفراد القوات والجماعات المسلحة لإلقاء أسلحتهم، والعودة إلى الحياة المدنية، وباعتبارها عملية معقّدة فإنها تدرك الأبعاد السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تهدف إلى خلق بيئة يمكن أن تحدث فيها عملية السلام والمصالحة السياسية والاجتماعية، فضلًا عن التنمية المستدامة.

 مؤكدة أنه من الجدير بالذكر أن برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج غير المكتملة من العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات انتكاس الصراع والعودة إلى العنف مرة أخرى.

مضيفة في نفس السياق أنه ومع ذلك، تعطي هذه البرامج فرصًا أقوى لحل النزاعات وإحلال السلام بعد الصراع. والواقع أن الأساس المنطقي وراء الحاجة إلى الاستجابة بشكل عاجل لتحدّي المقاتلين السابقين بعد الصراع هو أن “برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج ضرورية للمساعدة في منع تكرار الحرب في حالات ما بعد الصراع”.

وتُحلِّل هذه المقالة طبيعة برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المعاصر في سيراليون؛ لأن هذا البلد الإفريقي هو مثال مناسب للجهود الدولية والمحلية المهمة لتسهيل تنسيق نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في بيئة سياسية وتشغيلية هشَّة ومعقَّدة.

فقامت الكاتبة بتقسيم هذه المقالة إلى ثلاثة محاور مُهمّة، وهي كالتالي:

المحور الأول: تعريف برامج نزع السلاح

تُعرَّف عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بأنه العملية التي يتم من خلالها استرداد الأسلحة وتجميعها من المقاتلين السابقين بما يتوافق مع أحكام اتفاقية السلام؛ وذلك بهدف إعادتهم للحياة المدنية مرة أخرى، ومساعدتهم على إعادة الاندماج في المجتمع، إما كمدنيين أو أعضاء رسميين في القوات المسلحة أو قوات الأمن، وقد نُفِّذت برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في إفريقيا على مدى العقود الثلاثة الماضية في سياقين عريضين للأزمات، وهما كالتالي:

1- السياق الأول من برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج تم إطلاقه كجزء من الجهود المبذولة لمعالجة أزمة أمنية ناجمة عن أوجه القصور والعجز في قطاع الأمن القومي؛ وذلك بهدف تنفيذ استراتيجية إصلاح قطاع الأمن الوطني، ولا سيما في بلدان الجنوب الإفريقي وغربها.

2- السياق الثاني من برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في إفريقيا تم تنفيذه في سياق اتفاقيات السلام أو كجزء من تجارب العدالة الانتقالية التي يتم التوصل إليها بشكل عام بعد الحروب الأهلية، وغالبًا ما يتم اعتماد وتنفيذ برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج مِن قِبَل الأمم المتحدة، فاعتبارًا من عام 2019م، نفَّذ أكثر من ثلثي الدول الإفريقية برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، غالبًا بمساعدة الأمم المتحدة.

 وتعد طبيعة برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وحفظ السلام ذات هدف أساسي، وهو استدامة السلام، فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، أصبح نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج جزءًا لا يتجزأ من عمليات السلام في جميع أنحاء العالم، كما لعب دورًا رئيسًا في منع العنف وتحقيق السلام ودعم الاستقرار السياسي، ولذا فهناك اعتراف واسع النطاق بأهمية هذه البرامج في تعزيز الاستقرار في القارة، فمنذ بدء برامج الأمم المتحدة الرئيسة الأولى لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج كانت القارة الإفريقية هي أهم مضيف لهذه البرامج، ففي عام 2006م، كشف الأمين العام للأمم المتحدة أنه في الفترة ما بين فبراير 2000م ومارس 2006م كان هناك ست عمليات لحفظ السلام ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، من بينها خمس عمليات في إفريقيا، وبعد ثلاث سنوات، أي في عام 2009م، قدّر البنك الدولي أن ثلثي المهام التي نُفِّذت فيها برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج على مدى العشرين عامًا الماضية كانت موجودة في إفريقيا، ويُعتبر نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج أولوية رئيسة لضمان استدامة السلم والأمن، وعلى الرغم من النجاحات الجديرة بالثناء؛ فقد كانت مبادرات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج غير المكتملة من العوامل الرئيسة لارتفاع معدلات انتكاس السلم.

المحور الثاني: دور البعثات الأممية في نزع السلاح

 شهد العالم اتساع رقعة النزاعات المسلحة بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير من القرن العشرين، مع حدوث الكثير من النزاعات داخليًّا بين الدول والأطراف من غير الدول، وقد أصبح المدنيون، ولا سيما الشباب، الهدف العسكري الأساسي مع اندلاع الأعمال العدائية؛ حيث يتم تجنيد الضحايا والجناة على حد سواء مِن قِبَل القوات المقاتلة واستخدامهم كمقاتلين، ولقد حظي حجم معاناة المدنيين باعتراف عالمي كبير، ونتيجةً لذلك توجد الآن أدبيات مخصَّصة للمدنيين المتأثرين بالنزاعات المسلحة؛ حيث تميل الكثير من المُؤلَّفات والأدبيات عمومًا إلى التركيز على الطبيعة القسرية للتجنيد والأثر الكارثي للنزاعات، وتتمثل إحدى المشكلات في مجتمعات ما بعد الحرب فى إيجاد طرق لإقناع المقاتلين السابقين بتسليم أسلحتهم وإعادة الاندماج في المجتمع كمدنيين مرة أخرى؛ حيث يُعتقد أن مساعدة المقاتلين في الحصول على موطئ قدم في المجتمع سوف يؤدي إلى منعهم من العودة إلى القتال، وبالتالي تجنّب استئناف الأعمال العدائية على المدى الطويل.

 وتعد الأمم المتحدة هي الشريك الدولي الرائد التي تُنفّذ مبادرات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وتصميم برامج محددة السياق لأعضاء الجماعات المسلحة؛ من خلال عملية نزع الأسلحة من أيدي أعضاء الجماعات المسلحة، وإخراج هؤلاء المقاتلين من مجموعاتهم، ومساعدتهم على إعادة الاندماج كمدنيين في المجتمع، ويسعى برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج إلى دعم المقاتلين السابقين حتى يتمكنوا من أن يصبحوا مشاركين نَشِطين في عملية السلام؛ فإن نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج يُمهِّد الطريق لحماية المجتمعات المحلية واستدامة الأمن والسلم بها، والحد من العنف المجتمعي؛ حيث تتضمن عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج عنصرًا رئيسًا يهدف للحد من العنف المجتمعي.

 ويُعدّ الهدف الرئيس من عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج هو المساهمة في الأمن والاستقرار في بيئات ما بعد الصراع؛ حتى يمكن البدء في التعافي والتنمية، كما يساعد برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج على خلق بيئة مواتية للعمليات السياسية وعمليات السلام؛ من خلال التعامل مع المشاكل الأمنية التي تنشأ عندما يحاول الم قاتلون السابقون التكيُّف مع الحياة الطبيعية، وتعد الأهداف المحددة لبرنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج هي:

1- إعداد المقاتلين السابقين اجتماعيًّا وسياسيًّا ونفسيًّا؛ ليتناسبوا مع الحياة المدنية.

2- دعم وتعزيز التعايش المتناغم بين المقاتلين السابقين والمجتمعات المحلية.

3- دعم مشاريع المساعدة الذاتية؛ لضمان الاعتماد الذاتي الاقتصادي بين المقاتلين السابقين.

4- الحد من انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة.

المحور الثالث: عملية نزع السلاح في سيراليون

خرجت سيراليون من حرب مروعة استمرت 11 عامًا عقب التوقيع على اتفاق لومي للسلام في يوليو 1999م بين حكومة سيراليون والجبهة المتحدة الثورية، وقد أسفرت الحرب عن سقوط أكثر من 75 ألف ضحية، وتشريد 2,6 مليون شخص، وقد كانت عملية نزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة إدماجهم مرة أخرى في سيراليون جانبًا حاسمًا في دعم التعافي من الصراع؛ فقد تركزت جهود إعادة الإعمار في سيراليون بشكلٍ مباشرٍ على الاحتياجات العاجلة لنزع سلاح المقاتلين السابقين وتسريحهم، وقد تم الاستشهاد بجهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج على نطاق واسع في سيراليون على أنها قصة نجاح.

ويمكن القول: إن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في سيراليون بدأت بعد تشكيل حكومة أحمد تيجان كبه مباشرة في عام 1998م عندما كانت حكومة سيراليون في موقف قوي عسكريًّا، فكان نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في هذه المرحلة ترتيبًا بين حكومة سيراليون وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وفريق المراقبين العسكريين التابع للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والبنك الدولي.

 وكان من المقرر أن يشمل تسريح وإعادة إدماج مقاتلي القوات المسلحة والجبهة المتحدة الثورية وقوات الدفاع المدني، فضلًا عن تقديم المساعدة للأطفال الذين تم تجنيدهم، وقد تضمنت مرحلة نزع السلاح والتسريح إنشاء مراكز استقبال؛ حيث قام المسؤولون بجمع الأسلحة وتدميرها، وتسريح المقاتلين السابقين من أجل التأهل لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

 وقد نجحت عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في سيراليون في نزع سلاح وتسريح أكثر من 75 ألف مقاتل، وجمع وتدمير 42330 قطعة سلاح و1,2 مليون قطعة ذخيرة، كما قد كانت السمة الرئيسة للحرب الأهلية هي استخدام الجنود الأطفال، وقد نص اتفاق لومي للسلام على أن حكومة سيراليون ستُولِي اهتمامًا خاصًّا لمسألة الجنود الأطفال، وأن الاحتياجات الخاصة للأطفال ينبغي معالجتها في عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وتركزت عملية إعادة دمج الأطفال المسرحين على التعليم بعد الخضوع لعملية تسريح مماثلة؛ حيث يتم لَمّ شمل الأطفال مع عائلاتهم، بالإضافة إلى مساعدة الأطفال على الالتحاق بالمدارس الذين توقّف تعليمهم بسبب الحرب.

 ويمكن القول حسب الكاتبة : إن برامج نزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة دمجهم مرة أخرى في المجتمع تعطي فرصًا قوية لحل النزاعات وإحلال السلام بعد الصراع. والواقع أن الأساس المنطقي وراء الحاجة إلى الاستجابة بشكل عاجل لتحدي المقاتلين السابقين بعد الصراع هو أن “برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج ضرورية للمساعدة في منع تكرار الحرب في حالات ما بعد الصراع”.

وقد نجحت برامج نزع السلاح في سيراليون في منع البلاد من الانتكاس إلى أعمال عنف واسعة النطاق ومهَّدت الطريق لدمج المقاتلين مرة أخرى في المجتمع، وبالتالي يتم الاستشهاد بهذه الجهود بشكل متكرر على أنها قصة نجاح.

منقول عن “قرائات افريقية”، للكاتبة عفاف ممدوح، باحثة دكتوراه في العلوم السياسية – كلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة

شاهد أيضاً

مالي.. قتلى وجرحى في قصف استهدف سوقا قرب الحدود مع موريتانيا

مالي.. قتلى وجرحى في قصف استهدف سوقا قرب الحدود مع موريتانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *